ثرثرة على الهاتف

ثرثرة على الهاتف

ثرثرة على الهاتف

*دخل صوت أمي مقتحما الجدران المحيطة بي يسبق خطواتها المتوثبة للعراك والتي وقفت بها على أعتاب حجرتي قائلة:
_أنت هنا يادلال … ماذا تفعلين ؟

كنت ممدة على سريري قبل وصول أمي أتحدث إلى صديقتي "شذى"
وأبثها قلقي حول تأخير أمي في العودة إلى المنزل كما هو دأبها كل يوم ،وعندما رأيت أمي على ذلك الحال من الأنفعال والصياح أعتدلت بجلستي تأدباً وخوفاً وقلت أجيب سؤالها بارتبارك :

_إنني .. إنني أكلم صديقتي شذي ياأمي…

صاحت أمي وهي تتقدم بخطى حانقة..

_حرام عليك يادلال .. هل هذا وقته!..إنني أتصل بكم منذ ساعتين تقريباً لتعطل سيارة المدرسة ولأطلب من أخيك فيصل أن يأتي ليصحبني إلى المنزل…

كان يظهر الإرهاق جليا على أمي والامتعاص ..وكذلك أشياء أخرى،لهذا تحدثت إلى شذى بارتبارك أعتذر إليها مستأذنة في إغلاق السماعة على أن أحدثها في وقت آخر..

ليست أمي الوحيدة التي تأجج غضبها من انشغال الهاتف …

وانما الكثيرون من معارفنا أيضا كانوا يدلقون الشكوى على أسماعنا من هذه المشكلة حيت كانوا يعانون وباستمرار من عدم قدرتهم على إيجاد خطنا هادئا ومستقرا..

وفي يوم جاءنا عمى بوجه يكتظ بالحمرة نتيجة للحنق ،قال معاتبا لي وأخي فيصل :

_إنكم في هذا البيت ماهرون في إلقاء اللوم علينا لعدم تواصلنا بالاتصال بكم لكنكم لا تدركون أبدا أنني أو أحد أفراد

عائلتي نجد مشقة في الاتصال بكم..فمن الذي يتحدث بالهاتف كل هذه المدة؟..

فال فيصل بارتباك:
أنا ..أو أختي دلال ..فما الأمر ياعماه..؟
صاح عمي مغاضبا :
الأمر أنني أحاول التصال بكم منذ ساعات لأحدث والدكم وأحدد معه موعد بشأن الصفقة الجديدة ،وعندما يئست من هاتفكم ..قررت أن أحضر بنفسي لأرى أخي وأكلمه في الأمر ..
علق فيصل بخجل :
أنا آسف ياعمي ،يبدو أنني شغلت الهاتف طويلا وأنا أتحدث مع أولاد خالتي..عبدالله وعبدالملك..
سأل عمي بنبرة أقل حدة:
_المهم أين هو والدكما..فليذهب أحدكما ويخبره بحضوري ..
قلت متلعثمة أنظر إلى فيصل باضطراب :
_الحقيقة..الحقيقة ياعمي..أن أبي خرج منذ ساعة تقربيا..
صرخ عمي باستياء :

_ماذا ..خرج..إلى أين ؟

قال فيصل :لانعلم بالتحديد ياعمي..
وسأل عمي باستياء وهو يرمي بذراعيه على جانبيه بخيبة أمل :_وأين يمكنني أن أجده الان ؟..إن الوقت يمر.. والموعد قد أزف ..ويجب أن يقابل والدك الرجل حتى لانخسر هذه الصفقة..ثم التفت إلينا وقال وهو يرفع سبابته في وجهينا بسخط:

_هل رايتما ..هل رايتما نتيجة استهتاركما ، فلولا عدم اكتراثكما بما يجري حولكما من أمور هامة ومصيرية ،لكنت الآن التقيت بأبيكما ..وتمت المسائل على خير مانشتهي.

وخشية من أن تنتقل عدوى مقت عمي إلى أبينا ثم تثور ثائرته

علينا كما سبق وأن حذرنا مرارا من أن لا نشغل الهاتف أكثر من الضروري،رحنا أنا وفيصل نقلل من استعمال الهاتف تجنبا للويلت والقرارات التي ستنتج عن سخط أبي ،ولكننا بعد أيام قليلة فقط عدنا منجديد إلى ماكنا عليه من أحاديث وثرثرة فارغة على الهاتف وكان الدرس الوحيد القاسي الذي تعلمناه من هذه التجربة،وجعلنا نفكر مليا بسلوكنا اللا مسؤول، حين تأخر أبي في العودة إلى المنزل ذات مساء ،حيث كنت حينها وكعادتي أتحدث إلى شذى بالهاتف وأتبادل معها الطرائف ،بينما أمي تجوب البيت من مكان إلى مكان متضرعةإلى الله بأن تتعاقب الأموربخير وأن يعيد أبي سالما معافى،وبعد أن تجاوزت الساعة الثانية صباحا كان الهلع قدتملك والدتي فدخلت إلى حجرتي تبحث عن الهاتف لتستنجد بأخوالي ،وعندما وجدتني لا أزال أتحدث فيه إلى زميلة دراستي "دانة" صرخت والبكاء يحشرج صوتها:
_ماهذه الامبالاة يادلال ؟!..

أنا أكاد أموت قلقا على أبيك الذي تأخر ولا ندري عنه شيئا.. وانت هنا تسامرين صديقاتك وتضاحكيهن ،هيا .. هيا ضعي السماعة حالا كي أهاتف منزل جدك.
وأضافت وهي تأخذ الجهاز :

_وكم أخشى أن يكون والدك قد اتصل ووجد الهاتف مشغولا..

وفي الصباح وبعد ليلة قاتمة سوداء كان الوضع قد تأزم فيها إلى حد كبير في البيت لعدم رجوع أبي ،أخذت أمي إجازة من عملها وقد استسلمت للحزن والبكاء بينما رفضت أنا وفيصل الذهاب إلى المدرسة وفضلنا البقاء إلى جانبها لنطمئن على سير الأحداث،بعد أن حاول فيصل مع أخوالي السؤال عن أبي في المستشفيات وعند أصدقائه ولكن دون جدوى،وكانت المفاجأة مذهلة عندما دخل علينا أبي في العاشرة ضحى أشعث أغبر…وإمارات الأجهاد والغضب الجارف تبدو على محياه الهزيل ،في البداية لم يستجب لحفاوتنا وسعادتنا بلقائه ،وانما قال وقلبه يغلي من الغيظ:
_كل شيء كنت أتوقعه سوى إسرافكم في استهتاركما يا فيصل ويادلال ،لقد حجزتني إدارة المرور ليلة البارحة لمخالفة كنت اقترفتها ،وظللت منذ ذلك الحين في المحاولة اللاتصال بكم لأنه لم يكن بحوزتي المال الكاف لدفع الغرامة ،لكن هاتفكم المبجل لم ينقطع عن الانشغال..

أخفضت رأسي ندما وخجلا ،وكادت أن تخرج من ثغري شهقة احتجاج وأبي يقول متابعا:

_وكنت قد حذرتكما من قبل من مغبة ما تفعلان ولم تستمعا إلي،وأخبرتكما أن الهاتف وجد للطوارئ والمكالمات المختصرة وليس للثرثرة والنكات السخيفة ولكن دون جدوى ،لذلك ..وعقابا لكما ..سافصل خط الخدمة الهاتفية لفترة عن المنزل حتى تتعلمان الأدب،أما أنا وأمكما فسوف نستعمل جهاز الهاتف النقال لكل منا ليكون خاص بنا فقط…
ولم أشعر بالندم في حياتي مثلما شعرت حين نفذ أبي عقابه،فقد كان قرار لا رجعة فيه،جعلني أشعر بالملل والفراغ .. وحفزني أنا وأخي فيصل في التعاهد على أن لا نستعمل جهاز الهاتف مستقبلا وفي حالة إعادة الخط إلينا سوى في الضروريات والمكالمات العاجلة…..


قصة روعة
ما اعرف شقولج
أحلى تقييم لعيونك

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.