تاجر البندقية3

تاجر البندقية3

وقالت "بورشيا" أو "الدكتور بالتازار المحامي" دفاعاً عن "أنطونيو" أنه طبقاً لقوانين "البندقية" فلا بد من تنفيذ الاتفاق الذي تم في هذا العقد .. وطلبت العقد من "شيلوك" لتقرأه .. ثم قالت إن هذا العقد يعطي الحق لليهودي "شيلوك" أن يقطع رطلاًمن لحم "أنطونيو" .. ولكن الرحمة ضرورية وواجبة .. إن تحقيق العدالة لا بد أن يتمبالرحمة. وظلت تستعطف اليهودي لكي يكون رحيماً بخصمه ما دام المدين قادراً على ردالدين ودفع الثلاثة آلاف من الجنيهات.

وعندئذقال "بسانيو" أنه مستعد أن يرد لليهودي هذا المبلغ أضعافاً مضاعفة .. ولكن "شيلوك" لم يستجب لأي عرض، وأصر على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه في العقد, وأن يقطع رطلاً منلحم "أنطونيو".

وهناتظاهرت "بورشيا" بقبولها لحكم القانون .. والتفتت إلى "أنطونيو" وطلبت منه أن يكشفصدره ويستعد لهذه العملية القاسية التي سيقوم بها اليهودي ..

وأخذ اليهودي يسن سكينه الحادة ..

تساءلت "بروشيا" عن وجود الميزان الذيسيستخدم في وزن رطل اللحم .. وقالت لليهودي: قبل أن تقوم بقطع الرطل من لحم "أنطونيو" يجب أن تحضر طبيباً حتى لا ينزف دمه إلى أن يموت ..

فقال "شيلوك" بغيظ: إن ذلك غير منصوص عليه في العقد.

فقالت "بورشيا": نعم إن العقد يعطيك الحق في رطل من لحم "أنطونيو" ولكنه لا يعطيك الحق فيأن تجعله ينزفدماً .. إن إراقة الدماء جريمة يعاقب عليها القانون .. فعليك أن تقطعرطل اللحم دون أن تريق ولو قطرة واحدة من دم هذا المسيحي .. وإلا فإن قوانين "البندقية" ستطبق عليك فوراً .. فتصادر جميع ممتلكاتك وجميع بضائعك وأموالك وتصبححقاً لحكومة البندقية!

وهناهلل جميع الحاضرين في المحكمة فرحين .. لقد أصبح من المحال على اليهودي "شيلوك" أنينفذ خطته الوحشية الدنيئة .. لذلك فقد اضطر إلى الاستسلام فوراً وأن يقوم في يأس: إذن أعطوني نقودي وسأنصرف إلى حال سبيلي!

عندئذصاح "بسانيو" متسرعاً: ها هي نقودك فخذها .. ولكن "بورشيا" قاطعته قائلة: انتظر .. إن العقد لا ينص إلا على حق اليهودي في أن يقطع رطلاً من لحم مدينه إذا فات ميعادالسداد ولم يقم المدين برد الدين .. فإذا استطاع اليهودي أن يقطع رطل اللحم دون أنيريق دم المدين فعليه أن يقوم بذلك الآن .. ثم إن هذا اليهودي قد ارتكب جريمة يعاقبعليها قانون "البندقية" .. هذه الجريمة هي التآمر على حياة أحد مواطني المدينة .. ولأنك يا "شيلوك" قد تآمرت على حياة "أنطونيو" فإن جميع أموالك ستصادر لصالح حكومة "البندقية" .. أما حياتك أو إعدامك .. فذلك أم متروك لرحمة الدوق رئيس المحكمةليحكم ضدك بما يشاء طبقاً للقانون .. فهيّا اركع على ركبتيك والتمس العفو عنك أوالرحمة بك !!

وقال الدوق رئيس المحكمة: لقد عفونا عنك دون أن تتوسل إلينا .. أما ثروتك وممتلكاتك فقدحكمنا بمصادرتها على أن يؤول نصفها إلى "أنطونيو" الذي كنت ستتسبب في موته .. ويؤولالنصف الآخر إلى حكومة البندقية.

ولأن "أنطونيو" كان طيباً وكريماً فقد أبدى استعداده للتنازل عن نصيبه إلى "شيلوك" بشرط أن يوقع على وصية تنص على أن تؤول ثروته بعد موته إلى ابنته وزوجها ..

فقد كان "أنطونيو" يعلم أن لهذا اليهودي ابنة وحيدة، أحبت وتزوجت شاباً مسيحياً اسمه "لورنزو" وهو صديق عزيز من أصدقائه .. فغضب اليهودي على ابنته وقرّر أن يحرمها منميراثه وَتَرِكَته بعد موته ..

واستسلم اليهودي ولم يجد مفراً .. واضطر أن يقبل كل ذلك .. وبعدئذ حكم الدوق بإطلاق سراح "أنطونيو" وانتهت المحاكمة.

وعندئذ تقدم "بسانيو" إلى الدكتور "بالتازار" المحامي ليشكره على دفاعه الذكي الذي أنقذ حياة صديقه "أنطونيو" .. ولم يكن "بسانيو" يعلم أن هذا المحامي ماهو إلا زوجته "بورشيا" .. وقال "بسانيو" بكل شر وامتنان: إن تقديرنا لك لا يقدر بثمن وأرجوك أن تقبل الآلاف الثلاثة من الجنيهات التي كنا سندفعها إلى اليهودي كأتعاب لك ..

رفضت "بورشيا" أن تأخذ النقود .. ولكن "بسانيو" أصر على المحامي أنيقبل أي هدية يحددها .. وعندئذ قالت "بورشيا": إذن أعطني قفازكهذا!

وعلى الفور خلع بسانيو قفازه وأعطاه للمحامي وعندما شاهدت "بورشيا" الخاتم الذي أهدته إليه ووعدها بألاّ يُفرِّط فيه أبداً .. قالت له: أرجوك .. أعطني هذا الخاتم وسوفأقبله كهدية بدلاً من الأتعاب ..!

شحب وجه "بسانيو" وشعر بحرج شديد وقال معتذراً: بأن هذا الخاتم بالذات هدية من زوجتهالعزيزة ولا يستطيع أن يُفرِّط فيه أو يتصرف فيه .. وأنه على استعداد لشراء أغلىوأثمن خاتم في "البندقية" وتقديمه هدية للمحامي .. ولكن "بورشيا" أصرت على أخذالخاتم الذي يلبسه "بسانيو" في اصبعه.

وانصرفت وهي تتظاهر بالغضب .. وانصرفت وراءها وصيفتها "نيرسا" التي كانت متنكرة في زي كاتب المحامي .. وعندئذ اقترح "أنطونيو" على صديقه "بسانيو" أن يعطي الخاتم للمحامي وأنيعتذر لزوجته عن هذا التصرف .. وازداد حرج "بسانيو" وخاف أن يتهم بأنه ناكر للجميل،فخلع الخاتم وأعطاه لتابعه "جراتيانو" ليلحق بالمحامي ويعطيه إياه ..

وعندماأخذت "بورشيا" الخاتم، طلبت من "جراتيانو" أن يبلغ شكرها لسيده .. وهنا طلبت "نيرسا" من زوجها "جراتيانو"، الذي لم يعرفها وهي متنكرة في زي الرِّجال، أن يعطيهاالخاتم الذي يلبسه في إصبعه (وكانت "نيرسا" قد أهدت لزوجها هذا الخاتم وأقسم لهاألاّ يفرِّط فيه)، ولم يجد "جراتيانيو" مناصاً سوى أن يخلع الخاتم ويقدمه إلى الكاتب .. وانصرفت "بورشيا" ووصيفتها عائدتين إلى بيتهما.

جلست الزوجتان "بورشيا" و "نيرسا" تنتظران عودة زوجيهما "بسانيو" و "جراتيانو" .. ووصلالزوجان ومعهما "أنطونيو" ليتعرف على زوجة صديقه الكريمة، وما هي إلا لحظات حتى نشب شجار بين "جراتيانو" و "نيرسا" التي اكتشفت أن زوجها قد فرَّط في الخاتم الذي أهدته له، واتهمته بأنه أعطاه لامرأة أخرى .. وعندما حاولت "بورشيا" التدخل لفض النزاعبين الزوجين، اكتشفت هي الأخرى أن زوجها "بسانيو" قد فرَّط في الخاتم الذي أهدته له، واتهمته بأنه قد أعطاه لامرأة أخرى.

وعبثاًح اول الزوجان أن يقنعا زوجتيهما بأنهما قد أعطيا الخاتمين للمحامي وكاتب المحامي،وذلك بعد أن رفض المحامي أن يأخذ أتعاباً سوى الخاتم الذي كان يلبسه "بسانيو".

وتظاهرتالزوجتان بالحزن والغضب .. بينما ساد حزن حقيقي في قلب كل من الرِّجال الثلاثة .. وكان "أنطونيو" أشدهم حزنا .. لذلك فقد قال "لبورشيا" بتأثر: سيدتي .. أرجو أنتغفري لي لأني تسببت في هذا الشجار .. وفي أن زوجك الكريم قد أعطى الخاتم للمحاميالذكي العظيم الذي أنقذ حياتي .. وإني على يقين يا سيدتي بأن زوجك سيحافظ على ثقتكفيه طوال حياته.

وعندئذقالت "بورشيا": ولأجل خاطرك يا سيدي .. فسوف أعيد إليه هذا الخاتم .. وهو نفس الخاتم الذي أهديته من قبل .. وفوجئ الرِّجال بأن المحامي الدكتور "بالتازار" لم يكن سوى "بورشيا" نفسها .. وأن كاتب المحامي لم يكن سوى "نيرسا" .. وفرح الرِّجالكثيراً بهذه المفاجأة .. وفرحوا أكثر وأكثر عندما أعطت "بورشيا" "لأنطونيو" خطاباًيحمل أنباء طيبة بأن سفنه قد وصلت سالمة ولم تلحق بها أية خسارة.

وهكذا انتهت حكاية تاجر البندقية بهذا الحظ السعيد .. وهذا الضحك الصادر من القلب على حكاية الخاتمين .. وحكاية الزوجين اللذين لم يتعرفا على زوجتيهما عندما تنكرتا فيزي الرِّجال ..!!

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.