علاقة الابن مع امه وزوجته
ان النفس البشرية تتجاذبها عوامل متصارعة ، فالأم التي عانت كثيراً في تربية الابن حتى صار رجلاً، قد تشعر بعد زواجه بان هناك من ينافسها في السيطرة عليه ، ويشاركها في حبه وعطفه ودعمه للاسرة مادياً واجتماعياً، وبرغم ان توزيع الابن عواطفه واهتمامه بين زوجته واولاده من ناحية ، ووالديه واخوته من ناحية اخرى، يعد امراً طبيعياً إلا ان عوامل الانانية لدى بعض الامهات تحيل الامر الى مشكلة تؤرق الام والزوجة معاً، وتفرز شكلا من اشكال التوتر داخل الاسرة.
يضاف الى ذلك ان بعض الزوجات يفتقدن حسن التعامل مع والدة الزوج، أو ما يمكن ان نطلق عليه القصور في دبلوماسية التعامل مع العمة، فبعض الزوجات قد تسيطر عليهن نزعة الاستحواذ أو تملك الزوج، فمثلاً قد تتضايق الزوجة من قيام زوجها بمودة أمه واهله، وقد يصل الامر الى محاولة منعه من زيارتهم أو مساعدتهم ، وهذا يعني انها تحاول فصل الزوج عن اصوله ، مما يزيد الامر تعقيداً ويزيد العلاقة بين الزوجة وعمتها سوءاً.
المعيشة المشتركة
وترى احدى الباحثات الاجتماعيات ان التوتر في العلاقة بين الزوجة وعمتها قد يزداد عندما تكون هناك معيشة مشتركة بينهما او يجمعهما مسكن واحد، هنا تبرز عوامل عديدة تسهم في حدوث هذا التوتر ، منها عوامل نفسية ( التنافس على حب الابن أو الزوج)، وعوامل اقتصادية (التنافس على سلطة اتخاذ القرار في المنزل)، وعوامل مصلحية ( تصارع الرغبات أو الامزجة بين الزوجة وعمتها)، فضلا على انه من طبيعة الاشتراك في السكن الواحد ظهور الاختلاف في وجهات النظر أو المصالح، وهذا امر طبيعي يحدث بين الآباء والأبناء وبين الاخوة وبين الازواج والزوجات.
غير ان الامر المهم هنا ليس في حدوث الاختلاف ، وانما في طريقة ادارة هذا الاختلاف ، واسلوب حسم الازمات فالحياة تتطلب التوصل الى حلول وسط ترضي جميع الاطراف، كما ان الامر يتطلب تنازل بعض الاطراف لصالح الاطراف الاخرى، وهنا تبرز اهمية القيم الاسلامية ، ومنها:
قيمة احترام الصغير للكبير، وعطف الكبير على الصغير وهذا يعني انه يجب على الزوجة وهي الاصغر سناً احترام عمتها، والتعامل معها بوصفها اما ثانية لها، وليست منافساً لها.
ومن ناحية اخرى على والدة الزوج، وهي الاكبر سناً، والمفترض انها الاكثر خبرة ان تتعامل مع زوجة الابن بوصفها ابنة جديدة كسبتها الاسرة، ولا تحاول فرض سيطرتها عليها بشكل قهري وانما توجهها باسلوب تربوي هاديء.
فهذه القيم الاسلامية من شأنها ان توفر جواً من المودة والرحمة داخل الاسرة ، وان يتجنب الابن (الزوج) الوقوع في صراعات وازمات نفسية قد تؤدي به الى المرض ، وهو أمر يجب على الزوجة والام ان تعملا على تلافيه .
وتنبه الباحثة الاجتماعية الى ان الاستقلال في المعيشة بعيداً عن اسرة الزوج أو الزوجه هو الحل الامثل، لكن مع القدرة على فتح بيت مستقل أما ان تعذر الزوج عن توفير نفقات بدلات الايجار المرهقة ، او صعوبة امتلاكه بيت خاص به، فان أي طلب من هذا النوع يكون فوق قدراته ، وهو اشبه ما يكون بالانتحار اذا ما قرر الخروج من بيت اهله، خصوصاً وان هناك ازمة سكنية خانقة في البلاد جعلت اجور البيوت مرتفعة الى حدود لا يستطيع الكثير من الازواج ان يستقلوا عن اهليهم مهما بذلوا من جهد في كسب المال.
اما اذا تعارضت طاعة الام مع حقوق الزوجة فالميزان العادل هو وجوب إلا يطغى حق احد على حق غير فاذا كان من الواجب على الابن طاعة امه، فان هذا الواجب يؤدي في حدود عدم الاخلال بحق الزوجة عليه، فمثلاً لو طلبت الام من ابنها ألا ينفق على زوجته أو لا يعاملها بالاحسان كما أمر الشرع فلا يجوز له الاستجابة لهذا الطلب كما لا يجوز من امه ان تطلب منه ذلك، لانه لو فعل ما تريده أمه، فانه يخل بحق من الحقوق الواجبة عليه تجاه زوجته، وفي الوقت نفسه لا يكون الابن – بعدم تنفيذ هذا الطلب غير المشروع –عاقاً لوالدته، ولا يكون قد أخل بحق من حقوقها ، لان الحقوق لا تكون مشروعة للانسان اذا ادت الى الاخلال بحقوق الآخرين.
و لو طلبت الام من ابنها ان يطلق زوجته فلا يجب عليه طاعتها، إلا اذا كانت الزوجة قد ارتكبت فعلاً مشيناً من الناحية الاخلاقية، لكن مادامت تؤدي حقوق زوجها وتحافظ على اسرتها ولا يصدر عنها تصرف يضر بأحد والدي الزوج، فلا يجب على الابن ان يطيع والدته في تطليق زوجته.
على الجانب الآخر، فمن حق الزوجة ان تطلب الاستقلال في المسكن مع زوجها، وقد بين بعض العلماء انه ليس من حق الزوج ان يجبر زوجته على ان تعيش مع اهله، وانما من حقها الاستقلال بالمسكن.
معادلة الصعبة
ان الطاعة لا تكون بمعصية الله تعالى، و ان على الزوج ان يزيل سوء التفاهم بين زوجته ووالدته، وان يبذل كل ما في وسعه للقيام بهذه المهمة بحيث يمنع مختلف الاسباب الممكنة التي تؤدي اليه.
و ان تحقيق هذا الهدف يتطلب من الزوج الكثير من الصبر والحكمة ، لان أي شطط فيه لطرف على حساب الاخر قد يضيع الدنيا والآخرة ، ومن ثم فان على الزوج ان يريح والدته، وفي الوقت نفسه لا يظلم زوجته، وهي بلا شك معادلة صعبة .
و انه ليس من الصحيح ان يستسلم الزوج لرغبة والدته في التنكيل بزوجته لان للزوجة حقوقاً لا يجوز ان تظلم فيها لمجرد الاستجابة لهوى الام، لكن اذا كان هناك ظلم من الزوجة ، وقع على الام ، فمن الواجب عليه ان يمنعه ، وان يحول بين زوجته والحاق أي ضرر بامه، بل عليه ان يدعوها الى ان تعامل والدته بالمعروف والادب على اعتبار انها بمنزلة امها.
و ان الامر لا يستقيم في مثل هذه الحالة بالاحترام المتبادل والتضحية من جانب الاطراف الثلاثة فالام عليها الصبر على زوجة الابن، والعدول عن اللجوء الى الطلاق كحل للمشكلة ، وعلى الزوجة ان تتحلى بالصبر ايضاً على والدة زوجها، وان تلتمس لها العذر، وانها تكبرها في السن والخبرة ، فضلاً على انها هي التي سهرت الليالي الطوال في تربية الرجل الذي يرعاها ويحافظ عليها ، كما ان الزوج مطالب بالكثير من التضحية على المستويين المادي والنفسي من اجل ارضاء الطرفين.
بارك الله فيكي
شكرا كتير هذا الموضوع كتير مهم