فأجابته ساندرا وعيناها تلمعان كاشفتان عن ألم عميق في داخلها :
– أتمنى أن لا يطالب أحد الفقراء بدفع الإيجار … أتمنى أن لا أرى دمعة تهراق على خد أحد من الفقراء ، لتلتهمها بعد ذلك شفاههم المرتعشة من شدة البكاء .
وتتسع عينا الأمير إلى آخرهما كأنهما بحر ممتد حين تكمل ساندرا :
– أتمنى أن يهتم الأمير بشعبه .
ثم ترفع رأسها ناظرة إليه و هو غارق في بحر صمته … ثوان … وتقول :
– ما الأمر سيدي ؟!!
فكأنما ينتشله سؤالها من دوامة الصمت التي كان فيها ليعيده إلى الواقع فيقول بعد أن ظهرت عليه بعض قطرات العرق الباردة على جبينه المضيئ :
– لم لا تذهبي لتطرحي شكواكِ للأمير ؟
ساندرا : أوَ تظن أني سأجد عنده آذانا صاغية ؟!!
الأمير : لا تسيئي الظن به فأنتِ لم تريه حتى مرة واحدة !
فنظرت ساندرا نحوه باستغراب :
– كيف تعرف أني لم أرَ الأمير أبدا ؟!!!
فارتبك الأمير داخليا فيما حافظ على ثباته الخارجي وهو يقول في نفسه ( يالَ سذاجتي )… ثم قال لها :
– فقط مجرد إحساس ليس إلا .
ثم قال على عجل :
– لقد تأخرت … إلى اللقاء آنستي .
فلوحت ساندرا بيدها له مودعة .
وما إن غاب الفرس عن عينيها حتى هرولت مارشا نحوها مسرعة تقول وهي تلهث :
– أهنئك على سذاجتك التي ليس لها مثيل …! ( ثم أمسكت على قلبها متابعة ) آه كم أنت حمقاء عزيزتي ..!!
فقطبت ساندرا حاجبيها قائلة :
– ما بالك مارشا ، أكل هذا فقط لأنني صرخت في وجه أحد من النبلاء !!!
فقهقهت مارشا ضاحكة :
– كلا يا عزيزتي … كل هذا لأنك إلى الآن لم تعرفي أنك كنت قبل دقائق تتحدثين مع الأمير وجها لوجه .
وصعقت المفاجأة ساندرا لتصرخ عاليا :
– ماذاااا ….. !!!!!!!!!
في حين ما كان الأمير على فرسه الغمر يستقبل نسمات الهواء الباردة بابتسامته المشرقة وهو يهمس محدثا كيانه :
– مدينة تحتضن روحا كروح ساندرا .. يشرفني أن أكون أميرها .
**************
وفي صباح اليوم التالي ….. قرعات مخيفة على باب يكاد يهوي تارة من شدة تهالكه وقدمه وتارة من شدة تلك الطرقات العنيفة ، يركض إيان أخ ساندرا الصغير وقلبه يخفق خوفا و وجلا ويفتح الباب وهو يحك عيناه اللتان للتو أفاقتا من النوم ليتفاجأ برجل عملاق يقف بجانب الباب يرتدي زي الحرس وبجانبه رجل آخر ، فيفغر فاه ناظرا لهما دونما حراك … فيقول له الحارس بغضب :
– أين ساندرا شادريك ؟
فيركض إيان مسرعا إلى الداخل و هو يصرخ :
– اسيقظووووا …. ساندرا … أمي …. أبي
فقالت ساندرا بعد أن أفاقوا جميعا :
– ما الأمر إيان ؟! … ألا زلت كما أنت أحمقا !!
إيان : حسنا ماذا عنك يا ساندرا … حرس الأمير في انتظارك عند باب المنزل ..!!!
فانتفضت ساندرا فزعة ثم ذهبت تنظر لهما خلسة ثم قالت بصوت عالٍ :
– إنتظرا قليلا … سأمشط شعري … وأنظف وجهي و فمي .
فابتسم الحارسان لبعضهما ثم أعادا قناع الغضب على وجههما مرة أخرى ، في حين ما قال إيان ل ساندرا :
– ساندرا ….!
ساندرا : نعم
إيان : هل علمتِ اليوم من أين تعلمتُ الحماقة ؟!!
وتمتلأ الغرفة بعدها بضحكات الجميع ساعدتهم الحيطان بترديد الضحكات عبر الصدى .
وقفت ساندرا أمام الحارسين وقالت :
– ما الأمر ماذا هناك ؟!
فقال الحارس غاضبا :
– جئنا للقبض عليك ِ .
ساندرا : بتهمة …؟!
الحارس : بتهمة روح جميلة تسكنك ِ … ( وتتعدل ملامح وجه الحارس حينها )
فتنظر ساندرا له متعجبة ثم تنظر إلى والديها ثم تقول :
– أوَ هذه تهمة …!!؟
فيبتسم الحارسان ثم يقول أحدهما :
– كلا … في الحقيقة لقد أرسلنا الأمير لأنه يود مكافئتك على جمال روحك ، ولكنه طلب منا أن نفزعك قليلا في بادئ الأمر .
فابتسم الجميع باطمئنان ثم قالت ساندرا :
– سامح الله الأمير فقد أيقظني من حلم جميل ..
ليقول الحارس بعدها :
– ألا ترغبين بمعرفة المكافئة ؟
ساندرا بشغف : بلى
الحارس : حسنا إنها تحقيق أمنيتك .
فأشرقت عينا ساندرا فيما تهلل ثغرها مبتسما :
– أحقا … ماتقوله !!!
فبسط الحارس ورقة نحوها مكتوب فيها بخط الأمير :
– يسرنا تعاونك معنا آنسة ساندرا ، وذلك بكتابة أسماء الأسر الفقيرة هنا حتى نبدأ بمشروع …( تحقيق أمنية أجمل روح في البلدة ).
لتنظر بعدها ساندرا إلى إمضاء الأمير أسفل الورقة … فتأخذ الورقة وتضمها إلى قلبها قائلة :
حمدا لك يا ربي .
في حين مايشد إيان طرف كوم ساندرا سائلا إياها باستغراب :
– أهذه أمنيتك يا ساندرا …!!!… ورقة فقط …!!!
ثم أرخى جفنيه حزينا :
– أتمنى أن لا تصل حماقتي إلى هذه الدرجة في يوم من الأيام ..!
ودوت ضحكة ساندرا بعدها عاليا .
شكرا لكن غالياتي ، ودمتن بصحة وعافية .