ولد أحمد أمين سنة 1886 بالقاهرة من اسرة محافظة تتمتع بقدر كبير من العلم والمعرفة.
التحق بالمدرسة الابتدائية ثم الازهر،ثم بمدرسةالقضاء الشرعي التي تخرج منها ،ثم عين مدرسا،استاذا بكلية الاداب بالجامعة المصرية ،ثم عمدا لها .كما عين بعد ذلك مستشارا للثقافة فمستشارا لوزارة التربية والتعليم .وفي سنة 1946 عين مديرا للادارة الثقافية بجامعة الدول العربية . توفي سنة 1954.
• نشأته
ولد أحمد أمين في الأول من شهر أكتوبر لعام 1886م، أي بعد الاحتلال البيرطاني لمصر بأربع سنوات وهي فترة مضظربة أشد الاضطراب في التاريخ المصري الحديث واستمر أثرها طويلاً في الأحداث التالية لهذا الاحتلال. والده: والده هو الشيخ إبراهيم الطباخ وفيما بعد فقد ضاعت نسبته إلى الطباخ واشتهر باسمه الأول وهو أحمد أمين فقط وهو في الأصل من بلدة سخراط من أعمال البحرية وينتمي لأسرة من الفلاحين المصريين إلا أن مظالم السخرة وظلم تحصيل الضرائب أخرجه هو وأخوه الأكبر من بلدتهما تاركين أطيانها حلاً مباحاً لمن يستولي عليها ويدفع ضرائبها، وقد سكن الأخوان في بيت صغير في حارة متواضعة في حي المنشية بقسم الخليفة في القاهرة وهو أكثر أحياء القاهرة عدداً وأقلها مالاً وأسوأها حالاً، وسرعان ماصار الأخ الأكبر صانعاً كسوباً ووجه أخاه الأصغر أبو أحمد أمين إلى التعليم في الأزهر حيث تقدم في دراسته الأزهرية وعمل مصححاً بالمطبعة الأميرية ببولاق أحياناً ومدرساً في مدرسة حكومية وإمام مسجد، وكان يحب نسخ وجمع الكتب المختلفة من تفسير وفقه وحديث وكتب اللغة والأدب والتاريخ مما كان له أثر كبير في بذور الثقافة الأولى التي تلقاها أحمد أمين وتركت في نفسه أثراً مفعماً وعميقاً. بيته وحارته: كان بيت أحمد أمين هو أول مدرسة تعلم فيها دروس الحياة وكان طابع البيت البساطة والنظافة، وكان البيت محكوماً بالسلطة الأبوية المطلقة وكان اهتمام الأب بتعليم أبنائه فائقاً تشم رائحة الدين في البيت ساطعة زكية، ويربي الأب أبناءه تربية دينية ملتزمة منتظمة فيوقظهم لصلاة الفجر ويراقبهم في أوقات الصلوات الأخرى ويسائلهم متى صلوا وأين صلوا ويصوم رمضان ويزكي ويحج البيت الحرام، وعن هذه المرحلة يتحدث أمين بقوله: «وبعد فما أكثر ما فعل الزمان لقد عشت حتى رأيت سلطة الآباء تنهار وتحل محلها سلطة الأمهات والأبناء والبنات واصبح البيت برلماناً صغيراً ولكنه برلمان غير منظم ولا عادل فلا تؤخذ فيه الأصوات ولا يتحكم فيه الأغلبية ولكن يتبادل فيه الاستبداد فأحياناً تستبد فيه الأم وأحياناً البنت أو الابن قلما يستبد الأب وكانت ميزانية البيت في يد صراف واحد فصارت في أيدي صرافين وتلاعبت بها الأيدي وكثرت مطالب الحياة وتفرعت ولم تجد واحداً يعدل بينها ويوازن بين قيمتها فتصادمت وتخاصمت وكانت ضحيتها سعادة البيت وهدوؤه وطمأنينته. وكانت الحارة التي نشأ فيها هي مدرسته الثانية وينتقل بنا الأستاذ أحمد أمين إلى عرض نابض بالحياة للحارة التي قضى طفولته ومراهقته فيها حيث كانت الحارة تمثل الحياة القاهرية المصرية في صميم واقعها قبل أن تغزوها المدنية المعاصرة حيث تمثل في تركيبتها السكانية الواقع الطبقي للمجتمع المصري آنذاك، وما يصاحب هذا الواقع من أخلاق وسلوكيات وأنماط معيشية واقتصادية وترفيهية.في الكُتاب: يذهب أحمد أمين في طفولته المبكرة إلى الكُتاب لتعلم القراءة والكتابة ويحفظ القرآن، ولا يخفى على القارئ المرارة في حديث الأستاذ عن هذه الكتاتيب حيث كانت تقوم في أماكن كئيبة ومظلمة وتمارس في التعليم أساليب عقيمة من ضرب وتعليق وزجر ونهر تميت الروح والجسد وتؤدي في النهاية إلى كره الطفل للعلم والتعليم وتنفيره منه بل الخروج من الكُتاب إلى غير رجعة ثم ينتهي من ذلك كله إلى مقارنة بين تعليم الأطفال في سن طفولته والتعليم الحديث في رياض الأطفال حالياً والفرق الشاسع والبون العظيم بين العمليتين والتربويتين على أنه يخشى أن يكون هناك إفراط في الخشونة في أيامه وإفراط في التنعيم على أيام أبنائه.
• دراسته
في المدرسة والأزهر: خرج أحمد أمين من الكتاتيب الكريهة كما دعاها ذات الأساليب العقيمة إلى المدرسة الابتدائية حيث دخل مدرسة «أم عباس» أو كما تدعى رسمياً« والدة عباس باشا الأول» وكانت مدرسته نموذجية بنيت على أحدث طراز وأجمله، حيث ارتدى أحمد أمين بدلة حديثة بدلاً من الجلبات وطربوشاً عن الطاقية وأحس علو القدر ورفعة منزلته عمن كان يختلط بهم من تلاميذ الكتاب وأبناء الحارة، وكان التعليم في المدرسة يتم وفقاً لأحدث الأساليب التربوية آنذاك حيث تعلم فيها الجغرافيا والتاريخ والحساب واللغة الفرنسية، على أنه صرف عن التركيز على دروسه المدرسية بما أعده له أبوه من برنامج غريب ومتناقض محتواه العلوم التقليدية من نحو وصرف وبلاغة… الخ، مبعثه حيرة الوالد في مستقبل ابنه هل يوجهه إلى التعليم الديني في الأزهر أم التعليم المدني من ابتدائي إلى الثانوي ثم إلى الجامعة وهو برنامج مرهق صعب التحمل لتناقضه وإرهاقه النفس والبدن وعدم القدرة على الجمع بينها، وعلى كل حال يمضي أحمد أمين أربع سنوات حافلة في هذه المدرسة ثم يستخير الوالد الله سبحانه ويخرجه من المدرسة إلى الأزهر.وهاهو ذا أحمد أمين في الرابعة عشر من عمره يلبس القباء والجبة والعمة والمركوب بدل البدلة والطربوش والجزمة ويكون منظراً غريباً على من كان يراه سابقاً بملابسه الحديثه مما سبب له ضيقاً وخجلاً وإحراجاً ويحس بالعمامة تقيده وتمنعه من المرح واللعب والجري وبأنه شاخ قبل الأوان والطفل إذا تشايخ كالشيخ إذا تصابى كلا المنظرين ثقيل بغيض كمن يضحك في مأتم أو يبكي في عرس. ويصل إلى الأزهر استعداداً للدرس وطلب العلم حيث يرى حلقات الطلاب مستديرة أمام كل شيخ والشيخ يقرأ ويفسر ويقرر والطلاب منصتون أو يجادلون الشيخ فيما لا يفهمون، ويخرج إلى صحن الأهر فيراه سماوياً غير مسقوف ومبلطاً غير مفروش والخبز منشور على الملاءات ليجف، ويعقد أحمد أمين مقارنة حزينة في ذات نفسه بين مدرسته القديمة والأزهر الجديد عليه، ثم يصف نظام التعليم بالأزهر آنذاك وكان نظاماً حراً لا يعني بالطالب فيه وشأنه فإذا لم يرزق بمرشد يرشده غرق في هذا البحر الذي لا ساحل له إذ لا حضور ولا غياب ولا امتحانات ولا يسأل أحد الطالب ماذا صنع وكان توقيت الدروس بمواقيت الصلوات.وفي الأزهر يتعرف على شخصية المصلح الشيخ محمد عبده رحمه الله ويتأثر بآرائه الإصلاحية ولو أنه حضر دروسه لمدة قصيرة. في طنطا والإسكندرية: لم يمكث احمد أمين في الأزهر سوى سنوات معدودة أحس بعدها بظلام المستقبل وطول الطريق بغير جدوى، وهاهو يحاول أن يعثر على وظيفة مدرس بطنطا فيتقدم إليها ويسافر إلى طنطا باكياً شاكياً من فراق بيته وأهله ويتعثر الفتى في طنطا وتظطرب أموره وتفكيره فيستقيل ويعود إلى القاهرة بعد شهر ويسجل احمد أمين عجبه من مقارنة حاله وابنائه في سنه تلك حيث يسافرون ويعودون فرحين مغتبطين غير عابئين بشيء فيعجب لسرعة تطور الجيل في الزمن القصير.وبعد سنتين من سفره إلى طنطا يعثر على وظيفة مدرس في الإسكندرية بمدرسة«راتب باشا» وقد كانت هذه الخطوة نقطة تحول في حياته إذ التقى في الإسكندرية بمعلمه الثاني بعد أبيه الشيخ عبدالحكيم بن محمد وكان شيخاً مدرساً فاضلاً ذا بصر وخبرة بالدين والدنيا وأهلها ومن ثم استفاد من شيخه فوائد جمة وأخرجته صحبته له من عادات وأفكار كثيرة، وتعلم الدنيا التي ليست في الكتب وبالجملة فقد كانت فائدته من أستاذه كبيرة في مستقبل حياته. في مدرسة القضاء الشرعي: في عام 1907م تقرر افتتاح مدرسة القضاء الشرعي بعد اقتراح ذلك من قبل المصلح الشيخ محمد عبده رحمه الله لتخريج قضاة شرعيين مؤهلين تأهيلاً علمياً حقيقياً وصالحين للغاية من إعدادهم وتقدم أحمد أمين إلى المدرسة وتم قبوله بعد لأي لقصر نظره، ويدرس العلوم الإسلامية والفقهية والبلاغة والأدب والتاريخ إلى جانب العلوم الحديثة كالجغرافيا والعلوم والحساب والهندسة ويقضي فيها أربع سنوات في القسم العالي وينجح بتفوق بعد امتحان عسير لا رحمة فيه ويعين معيداً في مدرسة القضاء بعد تخرجه فيها بعد أن عين قاضياً في الواحات لمدة قصيرة حلاً لمشكلته المزمنة مع قصر النظر، ولعل أهم ما استفاد في مدرسة القضاء هو تعرفه وتأثره بشخصية مشهورة من شخصيات عصره هو عاطف بك بركات ناظر مدرسة القضاء، فقد وجد فيه الأبوة الروحية الحقيقية نظراً لما اشتهربه عاطف بك من حزم وبصيرة ورؤية نافذة هذا مع التزام الحق والعدل حتى في أمس الظروف وأحلكها، خاصة أن أحمد أمين قد عين معيداً في مادة الأخلاق التي كان يدرسها عاطف بك وبذلك توثقت العلاقة أكثر بين الأستاذ وتلميذه وخلال هذه المرحلة أحس بحاجته الشديدة إلى تعلم لغة أجنبية تكون معيناً له على استكمال ثقافته وانفتاحه الحضاري وبناء شخصيته العلمية ولينظر إلى الدنيا بعينين لا بعين واحدة. يتعلم اللغة الإنجليزية: ابتدأ أحمد أمين تعلم الإنجليزية وهو شاب في السابعة والعشرين بعد أن جرب حظه في تعلم الفرنسية فأخفق، وابتدأ بالكتب الدراسية في مدرسة برلتز ثم انتهى به المطاف إلى سيدة إنجليزية في الخامسة والخمسين من عمرها تدعى «مس بور» قضى معها بضع سنوات ووجهت إليه كامل عنايتها من الناحية التعليمية ومن الناحية التربوية حيث عنيت بتدريب ذوقه وإحساسه بالجمال والطبيعة من حوله وكانت تردد عليه دائماً« تذكر انك شاب» إلا أن هذه السيدة الفاضلة قد أصيبت بمرض عقلي رحلت على أثره إلى بلادها وانقطعت علاقته بها منذ ذلك الحين وقد وفق بعد ذلك في معرفة سيدة إنجليزية شابة وزوجها فكان يعلمها العربية وتعلمه الإنجليزية وتغذي أحاسيسه برقتها وصفائها وطهارتها، واجتاز هذه المرحلة فصار وكما قال بعد أن كان ينظر بعين صار ينظر بعينين، واستفاد من ذلك بسعة الأفق والسياحة الحضارية في الثقافة العالمية وانعكس ذلك وكان أثر ذلك واضحاً جلياً في أسلوبه المباشر المشرق البسيط.
• رحلتهالأدبية
المدارس الفكرية وبدايات النشر: ثم يستطرد الأستاذ أحمد أمين في تجاربه الحياتية حيث يجمعه القدر ببعض الخريجين من جامعات فرنسا وجامعات بريطانيا حيث يستفيد من تجاربهم وخبراتهم ويشاركهم في أحاديثهم وأفكارهم فتكون مائدة من طعوم مختلفة ويتم الاتفاق بينهم على تأليف لجان متعددة تعنى بشؤون مصر المختلفة تبحث أوضاعها فلجنة للناحية السياسية ولجنة للنواحي التعليمية وهكذا… وعصفت الأحداث بهذه اللجان الواحدة تلو الأخرى ولم يثبت منها سوى لجنة التأليف والترجمة والنشر والتي كانت مناراً مضيئاً في سماء الثقافة والعلم لا في مصر وحدها بل الشرق العربي كله. زواجه وأسرته: ثم يتحدث بعد ذلك عن الزواج وتجربته الحياتية والوجدانية مع هذا الحدث الهام في حياة كل إنسان واصفاً كيف كان الزواج في بيئته وطبقته في ذلك الزمان وما لقيه من العنت والمشقة حتى وفق أخيراً إلى الزوجة التي ارتضاها ورضته وكيف وقفت عمته وزيه الديني عائقاً في سبيل زواجه نظراً لقصور نظر الكثرين وتركيزهم على المظهر دون المخبر.وحياته الزوجية بصورتها الإجمالية اليومية ورأيه في كثرة النسل وقلته وما يؤدي إليه ذلك من رقي الأمم وتأخرها وكيف تغلب رأي الزوجة ومعارفها على رأيه من ناحية كثرة الأولاد، وكذلك بعض المشاكل الأسرية كمشاكل الخدم وما لقي منها وكيفية التعامل مع السيدات وأن العقل والمنطق الخاص هو آخر ما يتم التفاهم به معهن وذلك لغلبة العاطفة والشعور والإحساس على تكوين المرأة.ويقوم بتربية أولاده ويعني بالولد الأول لظنه بأنه سوف يكون قدوة لبقية أخوته وكيف كان قاسياً في تربيته لأولاده الأولين ثم كيف تغيرت معاملته لهم بالزمن وأنه لم يجد فرقاً يذكر بين أولهم وآخرهم. أحمد أمين والحركة الوطنية: شارك أحمد أمين كمعظم أبناء جيله في الأحداث السياسية التي عصفت بمصر بعد الحرب العالمية الأولى إبان مراحل الكفاح الوطني ضد الاحتلال الإنجليزية كما شارك بفعالية وحماسة في هذه الحركة الوطنية وعن طريقها تعرف إلى معظم القياديين الوطنيين إبان تلك المرحلة من تاريخ مصر. كسعد باشا زغلول وعاطف بك بركات وغيرهم ولا تمر تلك المرحلة من حياته بسلام فها هو ينقل من مدرسة القضاء بعد أن كان أستاذاً بها إلى القضاء قاضياً شرعياً بمحكمة قويسنا الشرعية ومع ذلك فلم يستمرئ القضاء ولم يسعد به فكل ماكان يمر به ويراه أرحام تقطع وأسر قد خرجت وقد استفاد من عمله في القضاء الدراسة الاجتماعية ومشاكلها، وكان لا يعول في أحكامه القضائية على مرافعات المحامين وتزويقهم وإنما يعمد إلى حل المشاكل الأسرية من أطرافها مباشرة ومن ثم معالجتها بالنصح والتوفيق والصلح أو بالفراق إذا لم يكن جدوى من الصلح.ثم يعلق على منصب القضاء الشرعي بما يحلو له من ملاحظات واستنتاجات عقلية واجتماعية استوعبها عقله الذكي الحساس أثناء فترة عمله قاضياً لأربع سنوات متتالية. أحمد أمين والحياة الأكاديمية: توفي والد الأديب أحمد أمين وهو قاضٍ شرعي ومن بعده أستاذه الروحي عاطف بك بركات وبنفوذ صديقه «طه حسين» عميد الأدب العربي يعين الأستاذ أحمد أمين أستاذاً بكلية الآداب بالجامعة المصرية ويدخل بذلك إلى العالم الأكاديمي وهو عالم غريب عليه كل الغرابة إذ بدأ حياته العلمية أزهرياً ومن ثم أتم دراسته في دار القضاء وعمل في التدريس فيها قاضياً وهاهو ذا يحتل مكانه كأستاذ في كلية الآداب بين أساتذتها المصريين والإنجليز والفرنسيين والبلجيك وينتظم في سلكهم ويلاحظ اضطراب الجو الدراسي وكون النسيج الجامعي مهلهلاً في كلية الآداب وهو يستفيد من تجاربه الأكاديمية من حيث الكيف والكلم ويلاحظ أجواء الصراع في الكلية وتداخل السياسة والعلم. ثم تحدث أعجوبة في حياته على حد تعبيره إذ يعين عميداً لكلية الآداب ويغرق حتى لجة رأسه في الأعمال الإدارية الروتينية فحتى شراء مكنسة يعرض عليه ويظل عميداً للكلية لمدة سنتين ثم يحدث مايسبب استقالته من العمادة فيستقيل ويعود إلى عمله العلمي بين الكتب والبحث العلمي.وإذ ذاك تسفر له الحياة عن وجه قبيح من وجوهها المتعددة من إنكار للجميل والطعن في الظهر والتنكر لرابطة الأستاذية التي يراها رحمه الله من منظوره الخاص أقوى الروابط وأجلها بين الناس، وكان ذلك درساً من دروس الحياة لا ينسى. وأثناء عمله بكلية الآداب يقوم برحلات متعددة إلى العراق والشام ويمر بتلك الديار وهي في طور النهضة العربية الحديثة والانعتاق من ربقة المستعمر البغيض ويسجل انطباعاً ومشاهداته عن تلك الأقطار ولا ينسى أن يسجل آلامه لتخلف بلاد العرب وعدم استغلالها لثرواتها قدراتها نحو النهضة وما تعانيه من أدواء وأمراض في الاقتصاد والأخلاق والمجتمع والساسة ويسجل ما يراه من اقتراحات علمية وواقعية لتطوير بلاد العرب والنهوض بها نحو الرقي والأخذ بأسباب الحضارة. ويزور أوربا بعد ذلك ضمن وفد مصر إلى مؤتمر فلسطين باقتراح من صديقه الأستاذ العلامة أحمد لطفي باشا السيد وزير الخارجية المصرية آنذاك، ويسافر ويركب الطائرة لاول مرة في حياته فيصف انطباعه ومشاعره آنذاك ويصل إلى لندن وتبدأ المفاوضات ويتقدم فيجد نفسه على المائدة أمام مستر بيقن وزير خارجية بريطانيا ومعه وزير المستعمرات البريطاني وتنتهي المفاوضات من دون نتيجة تذكر، وتكون فرصة للأديب والعالم أحمد أمين ليزور بريطانيا ويتعرف على جوانب الحياة فيها والنواحي السلبية والإيجابية لهذه البلاد ولا ينسى أن يسجل إعجابه بالتنظيم الدقيق لحياة الإنجليز والروح الديمقراطية التي يتميز بها هذا الشعب الحضاري، وتلك الحياة الهادئة المنظمة المريحة التي يحيونها ولا يفوته أن يسجل تعجبه واشمئزازه من هذا التباين الصارخ بين حياة الإنجليز في بلادهم وسياستهم في
أين تاريخ
التحق بالمدرسة الابتدائية ثم الازهر،ثم بمدرسةالقضاء الشرعي التي تخرج منها ،ثم عين مدرسا،استاذا بكلية الاداب بالجامعة المصرية ،ثم عمدا لها .كما عين بعد ذلك مستشارا للثقافة فمستشارا لوزارة التربية والتعليم .وفي سنة 1946 عين مديرا للادارة الثقافية بجامعة الدول العربية . توفي سنة 1954.
• نشأته
ولد أحمد أمين في الأول من شهر أكتوبر لعام 1886م، أي بعد الاحتلال البيرطاني لمصر بأربع سنوات وهي فترة مضظربة أشد الاضطراب في التاريخ المصري الحديث واستمر أثرها طويلاً في الأحداث التالية لهذا الاحتلال. والده: والده هو الشيخ إبراهيم الطباخ وفيما بعد فقد ضاعت نسبته إلى الطباخ واشتهر باسمه الأول وهو أحمد أمين فقط وهو في الأصل من بلدة سخراط من أعمال البحرية وينتمي لأسرة من الفلاحين المصريين إلا أن مظالم السخرة وظلم تحصيل الضرائب أخرجه هو وأخوه الأكبر من بلدتهما تاركين أطيانها حلاً مباحاً لمن يستولي عليها ويدفع ضرائبها، وقد سكن الأخوان في بيت صغير في حارة متواضعة في حي المنشية بقسم الخليفة في القاهرة وهو أكثر أحياء القاهرة عدداً وأقلها مالاً وأسوأها حالاً، وسرعان ماصار الأخ الأكبر صانعاً كسوباً ووجه أخاه الأصغر أبو أحمد أمين إلى التعليم في الأزهر حيث تقدم في دراسته الأزهرية وعمل مصححاً بالمطبعة الأميرية ببولاق أحياناً ومدرساً في مدرسة حكومية وإمام مسجد، وكان يحب نسخ وجمع الكتب المختلفة من تفسير وفقه وحديث وكتب اللغة والأدب والتاريخ مما كان له أثر كبير في بذور الثقافة الأولى التي تلقاها أحمد أمين وتركت في نفسه أثراً مفعماً وعميقاً. بيته وحارته: كان بيت أحمد أمين هو أول مدرسة تعلم فيها دروس الحياة وكان طابع البيت البساطة والنظافة، وكان البيت محكوماً بالسلطة الأبوية المطلقة وكان اهتمام الأب بتعليم أبنائه فائقاً تشم رائحة الدين في البيت ساطعة زكية، ويربي الأب أبناءه تربية دينية ملتزمة منتظمة فيوقظهم لصلاة الفجر ويراقبهم في أوقات الصلوات الأخرى ويسائلهم متى صلوا وأين صلوا ويصوم رمضان ويزكي ويحج البيت الحرام، وعن هذه المرحلة يتحدث أمين بقوله: «وبعد فما أكثر ما فعل الزمان لقد عشت حتى رأيت سلطة الآباء تنهار وتحل محلها سلطة الأمهات والأبناء والبنات واصبح البيت برلماناً صغيراً ولكنه برلمان غير منظم ولا عادل فلا تؤخذ فيه الأصوات ولا يتحكم فيه الأغلبية ولكن يتبادل فيه الاستبداد فأحياناً تستبد فيه الأم وأحياناً البنت أو الابن قلما يستبد الأب وكانت ميزانية البيت في يد صراف واحد فصارت في أيدي صرافين وتلاعبت بها الأيدي وكثرت مطالب الحياة وتفرعت ولم تجد واحداً يعدل بينها ويوازن بين قيمتها فتصادمت وتخاصمت وكانت ضحيتها سعادة البيت وهدوؤه وطمأنينته. وكانت الحارة التي نشأ فيها هي مدرسته الثانية وينتقل بنا الأستاذ أحمد أمين إلى عرض نابض بالحياة للحارة التي قضى طفولته ومراهقته فيها حيث كانت الحارة تمثل الحياة القاهرية المصرية في صميم واقعها قبل أن تغزوها المدنية المعاصرة حيث تمثل في تركيبتها السكانية الواقع الطبقي للمجتمع المصري آنذاك، وما يصاحب هذا الواقع من أخلاق وسلوكيات وأنماط معيشية واقتصادية وترفيهية.في الكُتاب: يذهب أحمد أمين في طفولته المبكرة إلى الكُتاب لتعلم القراءة والكتابة ويحفظ القرآن، ولا يخفى على القارئ المرارة في حديث الأستاذ عن هذه الكتاتيب حيث كانت تقوم في أماكن كئيبة ومظلمة وتمارس في التعليم أساليب عقيمة من ضرب وتعليق وزجر ونهر تميت الروح والجسد وتؤدي في النهاية إلى كره الطفل للعلم والتعليم وتنفيره منه بل الخروج من الكُتاب إلى غير رجعة ثم ينتهي من ذلك كله إلى مقارنة بين تعليم الأطفال في سن طفولته والتعليم الحديث في رياض الأطفال حالياً والفرق الشاسع والبون العظيم بين العمليتين والتربويتين على أنه يخشى أن يكون هناك إفراط في الخشونة في أيامه وإفراط في التنعيم على أيام أبنائه.
• دراسته
في المدرسة والأزهر: خرج أحمد أمين من الكتاتيب الكريهة كما دعاها ذات الأساليب العقيمة إلى المدرسة الابتدائية حيث دخل مدرسة «أم عباس» أو كما تدعى رسمياً« والدة عباس باشا الأول» وكانت مدرسته نموذجية بنيت على أحدث طراز وأجمله، حيث ارتدى أحمد أمين بدلة حديثة بدلاً من الجلبات وطربوشاً عن الطاقية وأحس علو القدر ورفعة منزلته عمن كان يختلط بهم من تلاميذ الكتاب وأبناء الحارة، وكان التعليم في المدرسة يتم وفقاً لأحدث الأساليب التربوية آنذاك حيث تعلم فيها الجغرافيا والتاريخ والحساب واللغة الفرنسية، على أنه صرف عن التركيز على دروسه المدرسية بما أعده له أبوه من برنامج غريب ومتناقض محتواه العلوم التقليدية من نحو وصرف وبلاغة… الخ، مبعثه حيرة الوالد في مستقبل ابنه هل يوجهه إلى التعليم الديني في الأزهر أم التعليم المدني من ابتدائي إلى الثانوي ثم إلى الجامعة وهو برنامج مرهق صعب التحمل لتناقضه وإرهاقه النفس والبدن وعدم القدرة على الجمع بينها، وعلى كل حال يمضي أحمد أمين أربع سنوات حافلة في هذه المدرسة ثم يستخير الوالد الله سبحانه ويخرجه من المدرسة إلى الأزهر.وهاهو ذا أحمد أمين في الرابعة عشر من عمره يلبس القباء والجبة والعمة والمركوب بدل البدلة والطربوش والجزمة ويكون منظراً غريباً على من كان يراه سابقاً بملابسه الحديثه مما سبب له ضيقاً وخجلاً وإحراجاً ويحس بالعمامة تقيده وتمنعه من المرح واللعب والجري وبأنه شاخ قبل الأوان والطفل إذا تشايخ كالشيخ إذا تصابى كلا المنظرين ثقيل بغيض كمن يضحك في مأتم أو يبكي في عرس. ويصل إلى الأزهر استعداداً للدرس وطلب العلم حيث يرى حلقات الطلاب مستديرة أمام كل شيخ والشيخ يقرأ ويفسر ويقرر والطلاب منصتون أو يجادلون الشيخ فيما لا يفهمون، ويخرج إلى صحن الأهر فيراه سماوياً غير مسقوف ومبلطاً غير مفروش والخبز منشور على الملاءات ليجف، ويعقد أحمد أمين مقارنة حزينة في ذات نفسه بين مدرسته القديمة والأزهر الجديد عليه، ثم يصف نظام التعليم بالأزهر آنذاك وكان نظاماً حراً لا يعني بالطالب فيه وشأنه فإذا لم يرزق بمرشد يرشده غرق في هذا البحر الذي لا ساحل له إذ لا حضور ولا غياب ولا امتحانات ولا يسأل أحد الطالب ماذا صنع وكان توقيت الدروس بمواقيت الصلوات.وفي الأزهر يتعرف على شخصية المصلح الشيخ محمد عبده رحمه الله ويتأثر بآرائه الإصلاحية ولو أنه حضر دروسه لمدة قصيرة. في طنطا والإسكندرية: لم يمكث احمد أمين في الأزهر سوى سنوات معدودة أحس بعدها بظلام المستقبل وطول الطريق بغير جدوى، وهاهو يحاول أن يعثر على وظيفة مدرس بطنطا فيتقدم إليها ويسافر إلى طنطا باكياً شاكياً من فراق بيته وأهله ويتعثر الفتى في طنطا وتظطرب أموره وتفكيره فيستقيل ويعود إلى القاهرة بعد شهر ويسجل احمد أمين عجبه من مقارنة حاله وابنائه في سنه تلك حيث يسافرون ويعودون فرحين مغتبطين غير عابئين بشيء فيعجب لسرعة تطور الجيل في الزمن القصير.وبعد سنتين من سفره إلى طنطا يعثر على وظيفة مدرس في الإسكندرية بمدرسة«راتب باشا» وقد كانت هذه الخطوة نقطة تحول في حياته إذ التقى في الإسكندرية بمعلمه الثاني بعد أبيه الشيخ عبدالحكيم بن محمد وكان شيخاً مدرساً فاضلاً ذا بصر وخبرة بالدين والدنيا وأهلها ومن ثم استفاد من شيخه فوائد جمة وأخرجته صحبته له من عادات وأفكار كثيرة، وتعلم الدنيا التي ليست في الكتب وبالجملة فقد كانت فائدته من أستاذه كبيرة في مستقبل حياته. في مدرسة القضاء الشرعي: في عام 1907م تقرر افتتاح مدرسة القضاء الشرعي بعد اقتراح ذلك من قبل المصلح الشيخ محمد عبده رحمه الله لتخريج قضاة شرعيين مؤهلين تأهيلاً علمياً حقيقياً وصالحين للغاية من إعدادهم وتقدم أحمد أمين إلى المدرسة وتم قبوله بعد لأي لقصر نظره، ويدرس العلوم الإسلامية والفقهية والبلاغة والأدب والتاريخ إلى جانب العلوم الحديثة كالجغرافيا والعلوم والحساب والهندسة ويقضي فيها أربع سنوات في القسم العالي وينجح بتفوق بعد امتحان عسير لا رحمة فيه ويعين معيداً في مدرسة القضاء بعد تخرجه فيها بعد أن عين قاضياً في الواحات لمدة قصيرة حلاً لمشكلته المزمنة مع قصر النظر، ولعل أهم ما استفاد في مدرسة القضاء هو تعرفه وتأثره بشخصية مشهورة من شخصيات عصره هو عاطف بك بركات ناظر مدرسة القضاء، فقد وجد فيه الأبوة الروحية الحقيقية نظراً لما اشتهربه عاطف بك من حزم وبصيرة ورؤية نافذة هذا مع التزام الحق والعدل حتى في أمس الظروف وأحلكها، خاصة أن أحمد أمين قد عين معيداً في مادة الأخلاق التي كان يدرسها عاطف بك وبذلك توثقت العلاقة أكثر بين الأستاذ وتلميذه وخلال هذه المرحلة أحس بحاجته الشديدة إلى تعلم لغة أجنبية تكون معيناً له على استكمال ثقافته وانفتاحه الحضاري وبناء شخصيته العلمية ولينظر إلى الدنيا بعينين لا بعين واحدة. يتعلم اللغة الإنجليزية: ابتدأ أحمد أمين تعلم الإنجليزية وهو شاب في السابعة والعشرين بعد أن جرب حظه في تعلم الفرنسية فأخفق، وابتدأ بالكتب الدراسية في مدرسة برلتز ثم انتهى به المطاف إلى سيدة إنجليزية في الخامسة والخمسين من عمرها تدعى «مس بور» قضى معها بضع سنوات ووجهت إليه كامل عنايتها من الناحية التعليمية ومن الناحية التربوية حيث عنيت بتدريب ذوقه وإحساسه بالجمال والطبيعة من حوله وكانت تردد عليه دائماً« تذكر انك شاب» إلا أن هذه السيدة الفاضلة قد أصيبت بمرض عقلي رحلت على أثره إلى بلادها وانقطعت علاقته بها منذ ذلك الحين وقد وفق بعد ذلك في معرفة سيدة إنجليزية شابة وزوجها فكان يعلمها العربية وتعلمه الإنجليزية وتغذي أحاسيسه برقتها وصفائها وطهارتها، واجتاز هذه المرحلة فصار وكما قال بعد أن كان ينظر بعين صار ينظر بعينين، واستفاد من ذلك بسعة الأفق والسياحة الحضارية في الثقافة العالمية وانعكس ذلك وكان أثر ذلك واضحاً جلياً في أسلوبه المباشر المشرق البسيط.
• رحلتهالأدبية
المدارس الفكرية وبدايات النشر: ثم يستطرد الأستاذ أحمد أمين في تجاربه الحياتية حيث يجمعه القدر ببعض الخريجين من جامعات فرنسا وجامعات بريطانيا حيث يستفيد من تجاربهم وخبراتهم ويشاركهم في أحاديثهم وأفكارهم فتكون مائدة من طعوم مختلفة ويتم الاتفاق بينهم على تأليف لجان متعددة تعنى بشؤون مصر المختلفة تبحث أوضاعها فلجنة للناحية السياسية ولجنة للنواحي التعليمية وهكذا… وعصفت الأحداث بهذه اللجان الواحدة تلو الأخرى ولم يثبت منها سوى لجنة التأليف والترجمة والنشر والتي كانت مناراً مضيئاً في سماء الثقافة والعلم لا في مصر وحدها بل الشرق العربي كله. زواجه وأسرته: ثم يتحدث بعد ذلك عن الزواج وتجربته الحياتية والوجدانية مع هذا الحدث الهام في حياة كل إنسان واصفاً كيف كان الزواج في بيئته وطبقته في ذلك الزمان وما لقيه من العنت والمشقة حتى وفق أخيراً إلى الزوجة التي ارتضاها ورضته وكيف وقفت عمته وزيه الديني عائقاً في سبيل زواجه نظراً لقصور نظر الكثرين وتركيزهم على المظهر دون المخبر.وحياته الزوجية بصورتها الإجمالية اليومية ورأيه في كثرة النسل وقلته وما يؤدي إليه ذلك من رقي الأمم وتأخرها وكيف تغلب رأي الزوجة ومعارفها على رأيه من ناحية كثرة الأولاد، وكذلك بعض المشاكل الأسرية كمشاكل الخدم وما لقي منها وكيفية التعامل مع السيدات وأن العقل والمنطق الخاص هو آخر ما يتم التفاهم به معهن وذلك لغلبة العاطفة والشعور والإحساس على تكوين المرأة.ويقوم بتربية أولاده ويعني بالولد الأول لظنه بأنه سوف يكون قدوة لبقية أخوته وكيف كان قاسياً في تربيته لأولاده الأولين ثم كيف تغيرت معاملته لهم بالزمن وأنه لم يجد فرقاً يذكر بين أولهم وآخرهم. أحمد أمين والحركة الوطنية: شارك أحمد أمين كمعظم أبناء جيله في الأحداث السياسية التي عصفت بمصر بعد الحرب العالمية الأولى إبان مراحل الكفاح الوطني ضد الاحتلال الإنجليزية كما شارك بفعالية وحماسة في هذه الحركة الوطنية وعن طريقها تعرف إلى معظم القياديين الوطنيين إبان تلك المرحلة من تاريخ مصر. كسعد باشا زغلول وعاطف بك بركات وغيرهم ولا تمر تلك المرحلة من حياته بسلام فها هو ينقل من مدرسة القضاء بعد أن كان أستاذاً بها إلى القضاء قاضياً شرعياً بمحكمة قويسنا الشرعية ومع ذلك فلم يستمرئ القضاء ولم يسعد به فكل ماكان يمر به ويراه أرحام تقطع وأسر قد خرجت وقد استفاد من عمله في القضاء الدراسة الاجتماعية ومشاكلها، وكان لا يعول في أحكامه القضائية على مرافعات المحامين وتزويقهم وإنما يعمد إلى حل المشاكل الأسرية من أطرافها مباشرة ومن ثم معالجتها بالنصح والتوفيق والصلح أو بالفراق إذا لم يكن جدوى من الصلح.ثم يعلق على منصب القضاء الشرعي بما يحلو له من ملاحظات واستنتاجات عقلية واجتماعية استوعبها عقله الذكي الحساس أثناء فترة عمله قاضياً لأربع سنوات متتالية. أحمد أمين والحياة الأكاديمية: توفي والد الأديب أحمد أمين وهو قاضٍ شرعي ومن بعده أستاذه الروحي عاطف بك بركات وبنفوذ صديقه «طه حسين» عميد الأدب العربي يعين الأستاذ أحمد أمين أستاذاً بكلية الآداب بالجامعة المصرية ويدخل بذلك إلى العالم الأكاديمي وهو عالم غريب عليه كل الغرابة إذ بدأ حياته العلمية أزهرياً ومن ثم أتم دراسته في دار القضاء وعمل في التدريس فيها قاضياً وهاهو ذا يحتل مكانه كأستاذ في كلية الآداب بين أساتذتها المصريين والإنجليز والفرنسيين والبلجيك وينتظم في سلكهم ويلاحظ اضطراب الجو الدراسي وكون النسيج الجامعي مهلهلاً في كلية الآداب وهو يستفيد من تجاربه الأكاديمية من حيث الكيف والكلم ويلاحظ أجواء الصراع في الكلية وتداخل السياسة والعلم. ثم تحدث أعجوبة في حياته على حد تعبيره إذ يعين عميداً لكلية الآداب ويغرق حتى لجة رأسه في الأعمال الإدارية الروتينية فحتى شراء مكنسة يعرض عليه ويظل عميداً للكلية لمدة سنتين ثم يحدث مايسبب استقالته من العمادة فيستقيل ويعود إلى عمله العلمي بين الكتب والبحث العلمي.وإذ ذاك تسفر له الحياة عن وجه قبيح من وجوهها المتعددة من إنكار للجميل والطعن في الظهر والتنكر لرابطة الأستاذية التي يراها رحمه الله من منظوره الخاص أقوى الروابط وأجلها بين الناس، وكان ذلك درساً من دروس الحياة لا ينسى. وأثناء عمله بكلية الآداب يقوم برحلات متعددة إلى العراق والشام ويمر بتلك الديار وهي في طور النهضة العربية الحديثة والانعتاق من ربقة المستعمر البغيض ويسجل انطباعاً ومشاهداته عن تلك الأقطار ولا ينسى أن يسجل آلامه لتخلف بلاد العرب وعدم استغلالها لثرواتها قدراتها نحو النهضة وما تعانيه من أدواء وأمراض في الاقتصاد والأخلاق والمجتمع والساسة ويسجل ما يراه من اقتراحات علمية وواقعية لتطوير بلاد العرب والنهوض بها نحو الرقي والأخذ بأسباب الحضارة. ويزور أوربا بعد ذلك ضمن وفد مصر إلى مؤتمر فلسطين باقتراح من صديقه الأستاذ العلامة أحمد لطفي باشا السيد وزير الخارجية المصرية آنذاك، ويسافر ويركب الطائرة لاول مرة في حياته فيصف انطباعه ومشاعره آنذاك ويصل إلى لندن وتبدأ المفاوضات ويتقدم فيجد نفسه على المائدة أمام مستر بيقن وزير خارجية بريطانيا ومعه وزير المستعمرات البريطاني وتنتهي المفاوضات من دون نتيجة تذكر، وتكون فرصة للأديب والعالم أحمد أمين ليزور بريطانيا ويتعرف على جوانب الحياة فيها والنواحي السلبية والإيجابية لهذه البلاد ولا ينسى أن يسجل إعجابه بالتنظيم الدقيق لحياة الإنجليز والروح الديمقراطية التي يتميز بها هذا الشعب الحضاري، وتلك الحياة الهادئة المنظمة المريحة التي يحيونها ولا يفوته أن يسجل تعجبه واشمئزازه من هذا التباين الصارخ بين حياة الإنجليز في بلادهم وسياستهم في
أين تاريخ