شرح حديث انما الاعمال بالنيات الصف الثالث

السلام عليكم

الحديث‏:‏

– -حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِيُّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ قَالَ‏:‏ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ، أَنَّهُ سَمِعَ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ‏:‏ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ‏:‏ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -يَقُولُ ‏"‏ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا، أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا، فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ‏"‏‏.‏

الشرح‏:‏ ‏
تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر هذا الحديث‏:‏ قال أبو عبد الله‏:‏ ليس في أخبار النبي -صلى الله عليه وسلم -شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة من هذا الحديث‏.‏
واتفق عبد الرحمن بن مهدي والشافعي، فيما نقله البويطي عنه وأحمد بن حنبل وعلي بن المديني وأبو داود والترمذي والدارقطني وحمزة الكناني، على أنه ثلث الإسلام، ومنهم من قال ربعه، واختلفوا في تعيين الباقي‏.‏
وقال ابن مهدي أيضا‏:‏ يدخل في ثلاثين بابا من العلم‏.‏
وقال الشافعي‏:‏ يدخل في سبعين بابا، ويحتمل أن يريد بهذا العدد المبالغة‏.‏
وقال عبد الرحمن بن مهدي أيضا‏:‏ ينبغي أن يجعل هذا الحديث رأس كل باب‏.‏
ووجه البيهقي كونه ثلث العلم، بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه، فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها، لأنها قد تكون عبادة مستقلة وغيرها يحتاج إليها، ومن ثم ورد‏:‏ نية المؤمن خير من عمله، فإذا نظرت إليها كانت خير الأمرين‏.‏
وكلام الإمام أحمد يدل على أنه أراد بكونه ثلث العلم، أنه أراد أحد القواعد الثلاثة التي ترد إليها جميع الأحكام عنده، وهي هذا و ‏"‏ من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد ‏"‏ و ‏"‏ الحلال بين والحرام بين ‏"‏ الحديث‏.‏
ثم إن هذا الحديث متفق على صحته، أخرجه الأئمة المشهورون إلا الموطأ، ووهم من زعم أنه في الموطأ، مغترا بتخريج الشيخين له والنسائي من طريق مالك‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏إنما الأعمال بالنيات‏)‏ كذا أورد هنا، وهو من مقابلة الجمع بالجمع، أي كل عمل بنيته‏.‏
وقال الخوبي‏:‏ كأنه أشار بذلك إلى أن النية تتنوع كما تتنوع الأعمال، كمن قصد بعمله وجه الله أو تحصيل موعوده أو الاتقاء لوعيده‏.‏
ووقع في معظم الروايات بإفراد النية، ووجهه أن محل النية القلب وهو متحد فناسب إفرادها‏.‏
بخلاف الأعمال فإنها متعلقة بالظواهر، وهي متعددة فناسب جمعها، ولأن النية ترجع إلى الإخلاص، وهو واحد للواحد الذي لا شريك له‏.‏
ووقعت في صحيح ابن حبان بلفظ ‏"‏ الأعمال بالنيات ‏"‏ بحذف ‏"‏ إنما ‏"‏ وجمع الأعمال والنيات، وهي ما وقع في كتاب الشهاب للقضاعي، ووصله في مسنده كذلك، وأنكره أبو موسى المديني، كما نقله النووي وأقره، وهو متعقب برواية ابن حبان، بل وقع في رواية مالك عن يحيى عند البخاري في كتاب الإيمان بلفظ ‏"‏ الأعمال بالنية‏"‏، وكذا في العتق من رواية الثوري، وفي الهجرة من رواية حماد بن زيد، ووقع عنده في النكاح بلفظ ‏"‏ العمل بالنية ‏"‏ بإفراد كل منهما‏.‏
والنية بكسر النون وتشديد التحتانية على المشهور، وفي بعض اللغات بتخفيفها‏.‏
قال الكرماني‏:‏ قوله ‏"‏ إنما الأعمال بالنيات ‏"‏ هذا التركيب يفيد الحصر عند المحققين، واختلف في وجه إفادته، فقيل‏:‏ لأن الأعمال جمع محلى بالألف واللام مفيد للاستغراق، وهو مستلزم للقصر، لأن معناه كل عمل بنية فلا عمل إلا بنية، وقيل لأن إنما للحصر‏.‏
وهل إفادتها له بالمنطوق أو بالمفهوم، أو تفيد الحصر بالوضع أو العرف، أو تفيده بالحقيقة أو بالمجاز‏؟‏ .‏
‏ الأعمال تقتضي عاملين، والتقدير‏:‏ الأعمال الصادرة من المكلفين، وعلى هذا هل تخرج أعمال الكفار‏؟‏ الظاهر الإخراج، لأن المراد بالأعمال أعمال العبادة وهي لا تصح من الكافر، وإن كان مخاطبا بها معاقبا على تركها ولا يرد العتق والصدقة لأنهما بدليل آخر‏.‏
قوله‏:‏ ‏(‏بالنيات‏)‏ الباء للمصاحبة، ويحتمل أن تكون للسببية بمعنى‏:‏ أنها مقومة للعمل فكأنها سبب في إيجاده، وعلى الأول فهي من نفس العمل فيشترط أن لا تتخلف عن أوله‏.‏
قال النووي‏:‏ النية‏:‏ القصد، وهي‏:‏ عزيمة القلب‏.‏
وتعقبه الكرماني‏:‏ بأن عزيمة القلب قدر زائد على أصل القصد‏.‏
واختلف الفقهاء هل هي ركن أو شرط‏؟‏ والمرجح أن إيجادها ذكرا في أول العمل ركن، واستصحابها حكما بمعنى‏:‏ أن لا يأتي بمناف شرعا شرط‏.‏
ولا بد من محذوف يتعلق به الجار والمجرور، فقيل‏:‏ تعتبر، وقيل‏:‏ تكمل، وقيل‏:‏ تصح، وقيل‏:‏ تحصل، وقيل‏:‏ تستقر‏.‏
وقال البيضاوي‏:‏ النية عبارة عن انبعاث القلب نحو ما يراه موافقا لغرض من جلب نفع أو دفع ضر حالا أو مآلا، والشرع خصصه بالإرادة المتوجهة نحو الفعل لابتغاء رضاء الله وامتثال حكمه‏.‏
وقال شيخنا شيخ الإسلام‏:‏ الأحسن تقدير ما يقتضي أن الأعمال تتبع النية، لقوله في الحديث‏:‏ ‏"‏ فمن كانت هجرته ‏"‏ إلى آخره‏.‏ ‏ ‏.‏
وأما عمل القلب كالنية فلا يتناولها الحديث لئلا يلزم التسلسل، والمعرفة‏:‏ وفي تناولها نظر، قال بعضهم‏:‏ هو محال لأن النية قصد المنوي، وإنما يقصد المرء ما يعرف فيلزم أن يكون عارفا قبل المعرفة‏.‏
وتعقبه شيخنا شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني بما حاصله‏:‏ إن كان المراد بالمعرفة مطلق الشعور فمسلم، وإن كان المراد النظر في الدليل فلا، لأن كل ذي عقل يشعر مثلا بأن له من يدبره، فإذا أخذ في النظر في الدليل عليه ليتحققه لم تكن النية حينئذ محالا‏.‏ ‏(‏1/ 14‏)‏
وقال ابن دقيق العيد‏:‏ الذين اشترطوا النية قدروا صحة الأعمال، والذين لم يشترطوها قدروا كمال الأعمال، ورجح الأول بأن الصحة أكثر لزوما للحقيقة من الكمال فالحمل عليها أولى‏.‏
وفي هذا الكلام إبهام أن بعض العلماء لا يرى باشتراط النية، وليس الخلاف بينهم في ذلك إلا في الرسائل، وأما المقاصد فلا اختلاف بينهم في اشتراط النية لها، ومن ثم خالف الحنفية في اشتراطها للوضوء، وخالف الأوزاعي في اشتراطها في التيمم أيضا‏.‏
نعم بين العلماء اختلاف في اقتران النية بأول العمل كما هو معروف في مبسوطات الفقه‏.‏ .‏

وقد يحصل غير المنوي لمدرك آخر كمن دخل المسجد فصلى الفرض أو الراتبة قبل أن يقعد، فإنه يحصل له تحية المسجد نواها أو لم ينوها، لأن القصد بالتحية شغل البقعة وقد حصل، وهذا بخلاف من اغتسل يوم الجمعة عن الجنابة، فإنه لا يحصل له غسل<

وبالتوفيق=)


سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.