حبيب بن زيد للصف السادس

حبيب بن زيد

في بيت تنتشر طيوب الإيمان في كل ركن من أركانه نشأ حبيب بن زيد الأنصاري ودرج. فأبوه هو زيد بن عاصم، طليعة المسلمين في «يثرب» وأحد السبعين الذين شهدوا العقبة، وشدوا على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم مبايعين، ومعه زوجته وولداه، وأم زيد فهي أم عمارة نسيبة المازنية، أول امرأة حملت السلاح دفاعاً عن دين الله، ودفاعا عن محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما أخوه فهو عبد الله بن زيد الذي جعل نحره دون نحر النبي صلى الله عليه وسلم وصدره دون صدر النبي صلى الله عليه وسلم يوم «أحد» حتى قال فيهم الرسول صلى الله عليه وسلم «بارك الله عليكم من أهل بيت.. رحمكم الله من أهل بيت» نفذ النور الإلهي إلى قلب حبيب بن زيد وهو غض «طري»، فاستقر فيه، وتمكن منه، وكتب له أن يمضى مع أمه وأبيه، وخالته وأخيه إلى مكة ليسهم مع النفر السبعين من الغر الميامين في صنع تاريخ الإسلام، حيث مد يده الصغيرة وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم تحت جنح الظلام بيعة العقبة. ومنذ ذلك اليوم غدا رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب اليه من أمه وأبيه.. وأصبح الإسلام أغلى عنده من نفسه التي بين جنبيه – لم يشهد حبيب بن زيد «بدرا» لأنه كان يومئذ صغيرا جدا، ولم يكتب له شرف الاسهام في «أحد» لأنه كان لا يزال دون حمل السلاح.. لكنه شهد بعد ذلك الغزوات كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان له في كل منها راية عز.. وصحيفة مجد.. وموقف فداء.. في السنة التاسعة للهجرة، كان الإسلام قد صلب عوده، وقويت شوكته، ورسخت دعائمه، فطفقت وفود العرب تشد الرحال من أنحاء الجزيرة إلى «يثرب» للقاء الرسول صلى الله عليه وسلم واعلان إسلامها بين يديه، ومبايعته على السمع والطاعة. وكان في جملة هذه الوفود وفد بني «حنيفة» القادم من أعالي «نجد».

أناخ الوفد جماله في حواشى المدينة، وخلف على رحاله رجلا منهم يدعى «مسيلمة بن حبيب الحنفي» وأعلنوا إسلامهم وإسلام قومهم للنبي صلى الله عليه وسلم فأكرم الرسول صلى الله عليه وسلم ضيافتهم، وأمر لكل منهم بعطية، وأمر لصاحبهم الذي خلفوه في رحالهم بمثل ما أمر لهم به. لم يكن يبلغ الوفد منازله في «نجد» حتى ارتد مسيلمة بن حبيب عن الإسلام، وقام في الناس يعلن لهم: أنه نبي مرسل، أرسله الله إلى بني «حنيفة» كما أرسل محمد بن عبد الله إلى قريش – فطفق قومه يلتفون حوله مدفوعين إلى ذلك بدوافع شتى، كان أهمها «العصبية» حتى إن رجلا منهم قال: «أشهد أن محمدا لصادق، وأن مسيلمة لكذاب، ولكن كذاب ربيعة، أحب إليّ من صادق مضر» ولما قوى ساعد مسيلمة وكثر أتباعه، كتب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا جاء فيه «من مسيلمة رسول الله، إلى محمد رسول الله، سلام عليك. أما بعد.. فإني قد أشركت في الأمر معك، وإن لنا نصف الأرض، ولقريش نصف الأرض، ولكن قريشا قومك يعتدون» فرد على رسالته صلى الله عليه وسلم قائلا «بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة الكذاب.. السلام على من اتبع الهدى، أما بعد.. فإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين» ثم بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة التي تزجره عن غيه، وندب لحمل الرسالة بطل قصتنا حبيب بن زيد، وكان يومئذ شابا ناضر الشباب، مكتمل الفتوة، مؤمنا من قمة رأسه إلى أخمص قدميه، فما كاد مسيلمة يقف على ما جاء في الرسالة حتى انتفخ صدره ضغينة وحقدا، وأمر بحبيب بن زيد أن يقيد، وأن يؤتى به إليه ضحى اليوم التالي. وقف حبيب بن زيد وسط الجموع الحاشدة الحاقدة مشدود القامة، مرفوع الهامة، شامخ الأنف، فالتفت اليه مسيلمة وقال: أتشهد أن محمدا رسول الله؟ فقال: نعم أشهد أن محمدا رسول الله – فتميز مسيلمة غيظا وقال: وتشهد أني رسول الله؟ فقال حبيب في سخرية لاذعة إن في أذني صمما عن سماع ما تقول. فامتقع وجه مسيلمة، وارتجفت شفتاه حنقا وقال لجلاده: اقطع قطعة من جسده ففعل، ثم أعاد السؤال وأعاد حبيب نفس الاجابة فما زال الجلاد يقطع من جسده، حتى فاضت روحه الطاهرة بهذا الإيمان والثبات العجيب، وكان آخر كلامه لا إله إلا الله محمد رسول الله، وجاء الانتقام الالهي على أيدي المؤمنين من مسيلمة وأتباعه يوم اليمامة و«لعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون».

سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.