تقرير , شرح / حديث : مثل المؤمن لكمثل النحلة للصف الرابع

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تقرير

شرح " حديث مَثَلَ الْمُؤْمِنِ ‏لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ "

في مُسْنَدِ الإمام أحمدَ عن عبد الله بن عمرو قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم :

" وَالَّذِي نَفْسُ ‏ ‏مُحَمَّدٍ ‏ ‏بِيَدِهِ إِنَّ مَثَلَ الْمُؤْمِنِ ‏لَكَمَثَلِ النَّحْلَةِ أَكَلَتْ طَيِّبًا وَوَضَعَتْ طَيِّبًا

وَوَقَعَتْ فَلَمْ تَكْسِر ولم تُفْسِدْ ".صححه الشيخ أحمد شاكر، والشيخ الألباني.

ماذا في النحل من عبر؟!

شبه الرسول – صلى الله عليه وسلم – المؤمن بالنحلة ؛ والتشبيه إما أن يكون كليًّا أو

جزئيًّا أو كل بكل أو جزء بجزء ، والصحيح أنَّ التشبيه في الحديث تشبيه كلي بكلي ،

وليس تشبيه كل صفات المؤمن بصفات النحلة أو بعض أجزائه ببعض أجزاء النحلة .

ومعنى تشبيه الكلي بالكلي أي تشبيه النوع بالنوع من حيث النفع ، فتكون كل الصفات

المحمودة في النحلة موجودة في المؤمن ، وعدد منها الرسول – صلى الله عليه وسلم –

ما هو جدير بالتنبيه ، وترك للقارئ بقية المقارنة والموازنة .

ولنبدأ بما بدأ به رسول الله – صلى الله عليه وسلم -؛حيث ذكر من أهم الصفات المحمودة

للنحلة أنها : تأكل الطيِّب ، وتضع الطيب ، وإذا وقعت على عود لم تكسرْه ولم تفسد .

ومجموع هذه الصفات تعتبر علامة فارقة في النحل دون غيره من الحشرات ، فليس ثَم

من الحشرات ما ينفع نِتاجه مثل النحل ، وليس من الحشرات ما يَنتقي ما يقع عليه مثل

النحل ، ورَعيُ النحلِ للزهور وأعواد الورود وبساتين البراعم – رعيٌ حنون ، فهي لا تهجم

هجوم الجراد ، ولا تعيث عيث الزنابير، كما أن رعيها للزهور تلقيحٌ لها لتثمر، وتهييج

للمياسم لتنتج . فالنحل لا يمتص إلا رحيق الأزهار الفواحة ، لذا كان أطيبُ العسل

البري الجبلي الذي ينتقي فيه النحلُ زهورَه بنفسه لا بانتقاء الناس له .

والعسل الخارج من بطنها من أطيب الإفرازات الحيوانية وأنفعها على الإطلاق ؛

ولذلك امتدحه القرآن وامتن به الله – تبارك وتعالى -.

والنحل ليس من نوع الحشرات الذي يهيج ويفسد كالجراد والزنابير ، حتى خلاياه

يشيدها بعيدة عن مرمى البصر ومتناول الأيدي حتى لا يؤذي أحدًا بها .

والنحل بطبعه لا يلدغ إلا من آذاه، وهو يسيح في كل مكان، إذا رأى حيوانًا أو بشرًا

تحاشاه ، وليس كالزنابير التي قد تثور لأقل حركة .

ومما لم يذكره النبي – صلى الله عليه وسلم – من صفات النحل أنه يعمل ويجتهد ،

ويثابر طوال يومه في بناء خليته ، وتشييد مدينته ، والمحافظة على نسله ، وأن له

شجاعةً ويضحي وإِقدامًا ،بنفسه من أجل بناء خليته، ومن صفاته : حبُ العمل

الجماعي ، وهذا لا يحتاج إلى شرح أو بيان .

ومن صفات النحل المحمودة أنه لا يَتَبَرَّمُ من العمل ؛ بل يعمل في صمت ، ولا ينتظر

منصبًا أو مكانة في خليته ؛ بل يعمل وهو يعلم أنَّ مصيره الموت .

وفي عالم النحل صفات نبيلة يعلمها من تبحر في علم الحشرات، وقد ضرب لنا الرسول –

صلى الله عليه وسلم – المثل في النحل فيما يعرفه عامة الناس ليكون أقربَ للفهم ،

وأدنى للتأمل والتبصر والاقتداء .

والآن ، كيف هي صفات المؤمن؟ على ضوء تشبيه النبي – صلى الله عليه وسلم –

له بالنحل ؟

إن المؤمن طيب ، فمعدِن الإيمان في قلبه ينفي الخبث ويطرد الدنيء، فإذا طاب المؤمن

وطاب معدنه صار محلا للطيبات ، ومَوْئِلا للجمائل ؛ فلا ترى المؤمن يقبل إلا الطيب ،

كسبه طيب ، ونفقته طيبة ، وكلامه طيب ، وعمله طيب ، وعبادته طيبة ، مطعمه

طيب ، ومشربه طيب ، وملبسه طيب ؛ فاستحق أن تقول له ولإخوانه الملائكةُ

يوم الدين : "سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين".

فالجنة دار طيبة ، أُعدت للطيبين ، والمؤمن طيب لا يَقبل إلا طيبًا ، ولا يُقبِل إلا على

الطيب .وما يستودعه المؤمن عند الآخرين طيب ، مثل العسل الذي يضعه النحل

فيستفيد منه الناس ، إذا أنجز عملا كان طيبًا ينتفع به الخلق، وإذا علَّم علمًا كان

طيبًا ، ينفع الناس ويمكث في الأرض ، وإذا أنتج شيئًا كان إنتاجه من أطيب الطيبات .

المؤمن مثل النحل ، لا يقع على الجِّيَفِ النتنة ، ليس كالذباب يحوم حول النجاسات

والقذارات ، فالمؤمن إن رأى عيبًا أصلحه أو خللا سدَّه ، إن رأى تقصيرًا أكملْه وجَمَّلْه ،

لا يبحث عن أخطاء الآخرين ، ولا يجعلها هدفًا لعمله ، فالنحل ينشُد الفائدة فقط ،

ولا يضيع وقته في السَّفاسف .

والمؤمن لا يتحسس أخطاء الناس ، إن رأى تلك الأخطاء لا يجعلها مادةَ حياته وقِبلة

اهتمامه ؛ بل يمر عليها ولا يقف كالنحل .

والنحل إذا وقع على العود لم يكسره ؛ لأنه خفيفٌ حِمله ، رشيق تنقُّله ، فكذا المؤمن

إذا عالج أمرًا وتناول مشكلا لم يكسر القضية ويشوهها ؛ بل يقف على أعواد المشكلات

وقوفَ النحل خفة ورشاقة ، ويعالج المشكل كما يعالج النحل مصَّ الرحيق من الأزهار

وهو واقف على العود لا ينكسر به ، حتى إذا نال بُغيته ، وكَمُلَتْ طِلبته قام عن العود

وهو أكمل من ذي قبل، فما من مشكلة يتناولها المؤمن إلا ويخرج منها وقد نالت منه

خيرًا ، ولم ترَ منه نقصًا .

والنحل لا يُفسد في ترحاله وتنقله ، وكذا المؤمن ، يتجول في كل الأمور والقضايا نافعًا

منتفعًا ، يفيد الناس عونًا ، ويستفيد منه مثوبةً وأجرًا .

والنحل صبورٌ ، وكذلك المؤمن جلد قوي ، ذو عزيمة وشكيمة ، يغالب الأمور ولا تغلبه ،

يصارعها ولا تصرعه ، يحب الجماعة كما النحل ، يَتقوى بإخوانه ويستعين بهم ،

يتعزى بسواعد القائمين على الخير مثله، ويرى فيهم أمل الأمة المنشود فيعمل معهم،

لا يَكل ولا يَمل مثلما النحل ،المؤمن يضحي كالنحل بنفسه، بماله ، بوقته ، بجهده،

بمتعته ؛ حتى تبقى جماعته قوية منيعة .

ومن صفات النحل أنه لا يؤذي إلا من هجم عليه وآذاه في سعيه أو خرب عليه خليته ،

وعدا ذلك فهو ماضٍ في عمله ، دئوب في سعيه لا يلوي على شيء ، يتعالى عن

السفاسف ،لا يقع على الجيف ، ولا يحب النتن من الأشياء ، فكذلك المؤمن مسالم ،

مطمئن ، ماضٍ في دربه، يعبد ربه يدعو إلى دينه، لا يؤذي الذَّركما قال الحَسَنُ .

إن رأى المحسنين أحسن معهم ، وإن رأى أهل العلم سار في ركابهم ، وإن رأى أهل

الجهاد جاهد معهم وآزرهم ، وإن رأى المحتسبين احتسب معهم ، وما من خير تدركه

أطرافه إلا سعى إليه قدر طاقته ، فإن رامَه أحدٌ بأذية كشَّر عن أنيابه ، وأبدى له شراسةَ

أسودِ الشرى ؛ فليس المؤمن بالخِب ولا الخِب ينال منه .

مسروق ,

سبحان الله و بحمده

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.